هذه السورة ذات جو خاص، فهي تبدأ بذكر قوى أربعة..من أمر الله.. في لفظ
مبهم الدلاله ،يوقع في الحس لأول وهلة أنه أمام أمور ذات سر، يقسم الله -
الله – على أمر : (والذريات ذروا، فالحاملات وقرا، فالجاريات يسرا،
فالمقسمات أمرا. إن ما توعدون لصادق ، وإن الدين لواقع).. والذريات..
والحاملات. والمقسمات..مدلولاتها ليست متعارفة.
وما يكاد القسم الأول ينتهي حتى يعقبه قسم آخر بالسماء : (والسماء ذات
الحبك) يقسم بها الله على أمر : (إنكم لفي قول مختلف)..لااستقرار ولا تناسق
فيه، قائم على التخرصات والظنون، لا على العلم واليقين..
هذه السورة بافتتاحها على هذا النحو، ثم بسياقها كله..ربط القلب البشري
بالسماء، وتعليقه يغيب الله المكنون، وتخليصه من أوهاق الأرض، وإطلاقه من
كل عائق يحول بينه وبين التجرد لعبادة الله، والانطلاق إليه جملة، والفرار
إليه كلية، استجابة لقوله في السورة : (ففروا إلى الله).. وتحقيقاً لإرادته
في عباده : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
ولما كان الانشغال بالرزق وما يخبئه القدر عنه هو أكثف تلك العوائق
وأشدها فقد عني في هذه السورة بإطلاق الحس من إساره، وتطمين النفس من جهته،
وتعليق القلب بالسماء في شأنه، لا بالأرض وأسبابها القريبه. وتكررت
الإشارة إلى هذا الأمر في السورة في مواضع متفرقة منها إما مباشرة كقوله :
(وفي السماء رزقكم وما توعدون).. (إن الله هو الرزاق ذو القوة
المتين)..وإما تعريضاً كقوله بصور حال عباده المتقين مع المال : (وفي
أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)..ووصفه لجود إبراهيم وسخائه وهو يقرى
ضيوفه القلائل – أو من حسبهم ضيوفه من الملائكة بعجل سمين، يسارع به عقب
وفودهم إليه، وبمجرد إلقاء السلام عليه، وهو لم يعرفهم إلا منذ لحظة.
فتخليص القلب من أوهاق الأرض، وإطلاقه من إسار الرزق ، وتعليقه بالسماء،
ترف أشواقه حولها، ويتطلع إلى خالقها في علاه، بلا عائق يحول بينه وبين
الانطلاق، ويعوقه عن الفرار إلى الله. هو محور السورة بكل موضوعاتها
وقضاياها التي تطرقها. ومن ثم كان هذا الافتتاح، وكان ذلك الإيقاع الغامض
في أولها، وكان القسم بعده بالسماء، وكان تكرار الإشارة إلى السماء أيضاً..
وفي هذا كانت صورة المتقين التي يرسمها في مطلع السورة : (إن المتقين في
جنات وعيون. آخدين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا من قبل ذلك محسنين. كانوا
قليلاً من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون. وفي أموالهم حق للسائل
والمحروم).. فهي صورة التطلع إلى الله، والتجرد له، والقيام في عبادته
بالليل، والتوجه إليه في الأسحار. مع إرخاص المال، والتخلص من ضغطه، وجعل
نصيب للسائل والمحروم حقاً فيه.
وفي هذا كان التوجيه إلى آيات الله في الأرض وفي الأنفس مع تعليق القلوب
بالسماء بشأن الرزق، لا بالأرض وما فيها من أسبابه القريبة : (وفي الأرض
آيات للموقنين. وفي أنفسكم أفلا تبصرون. وفي السماء رزقكم وما توعدون)
وفي هذا كانت الإشارة إلى بناء الله للسماء على سعة، وتمهيده للأرض في
يسر، وخلقه ما فيها من أزواج والتعقيب على هذا كله بالفرار إلى الله :
(والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون. والأرض فرشناها فنعم الماهدون ومن كل
شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون. ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين)..
وفي هذا الإيقاع الأخير البارز في السورة، عن إرادة الله سبحانه في خلق
الجن والأنس، ووظيفتهما الرئيسية الأولى : (وما خلقت الجن والأنس إلا
ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو
القوة المتين)..
فهو إيقاع واحد مطرد. ذو نغمات متعددة. ولكنها كلها تؤلف ذلك الإيقاع ، وتطلق ذلك الحداء. الحداء بالقلب البشري إلى السماء !
وقد وردت إشارات سريعة إلى حلقة من قصة إبراهيم ولوط، وقصة موسى، وقصة
عاد، وقصة ثمود وقصة نوح. وفي الإشارة إلى قصة إبراهيم تلك اللمحة عن
المال، كما أن فيها لمحة عن الغيب المكنون في تبشيره بغلام عليم، ورزقه
وامراته به على غير ما توقع ولاانتظار. وفي بقية القصص إشارة إلى تصديق وعد
الله الذي أقسم عليه في أول السورة : (إن ما توعدون لصادق) والذي أشار في
ختامها إنذاراً للمشركين : (فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم فلا
يستعجلون).. بعد ما ذكر أن أجيال المكذبين كأنما تواصت به ؟ بل هم قوم
طاغون !)
فالقصص في السورة – على هذا النحو مرتبط بموضوعاتها الأصيل. وهو تجريد
القلب لعبادة الله، وتخليصه من جميع العوائق، ووصله بالسماء. بالإيمان
أولاً واليقين. ثم يرفع الحواجز والشواغل دون الرفرفة والانطلاق إلى ذلك
الأفق الكريم.
معنى كلمة : " أوهاق " وقد ذكرت في السورة كثيرا " أوهاق الأرض " وهى من
المعجم الوسيط : وَهَقَ الشيءَ عنه ـِ (يَهِقُه) وَهْقاً: حبسه. فهو
مَوْهوقٌ. وـ فلاناً: جعل الوَهَقَ في عنقه وأَعلقَه به. وـ البعيرُ
البعيرَ: مدَّ كلُّ واحدٍ منهما عنقه في السير وبارى الآخر. (أَوْهَقَ)
الدّابّة: طرح في عنقها الوهق. (وَاهَقَهُ): باراه في عمله. ويقال: واهقت
الناقة الناقة. (تَوَاهَقَ) الرَّجُلان: تباريا. وـ الرِّكاب: مدَّت
أعناقها في السَّير وتبارت فيه. (الوَهَْقُ): الحبل في أحد طرفيه أُنشوطة
يُطْرح في عنق الدّابّة والإنسان حتى يؤخذ. (ج) أوهاق.
مبهم الدلاله ،يوقع في الحس لأول وهلة أنه أمام أمور ذات سر، يقسم الله -
الله – على أمر : (والذريات ذروا، فالحاملات وقرا، فالجاريات يسرا،
فالمقسمات أمرا. إن ما توعدون لصادق ، وإن الدين لواقع).. والذريات..
والحاملات. والمقسمات..مدلولاتها ليست متعارفة.
وما يكاد القسم الأول ينتهي حتى يعقبه قسم آخر بالسماء : (والسماء ذات
الحبك) يقسم بها الله على أمر : (إنكم لفي قول مختلف)..لااستقرار ولا تناسق
فيه، قائم على التخرصات والظنون، لا على العلم واليقين..
هذه السورة بافتتاحها على هذا النحو، ثم بسياقها كله..ربط القلب البشري
بالسماء، وتعليقه يغيب الله المكنون، وتخليصه من أوهاق الأرض، وإطلاقه من
كل عائق يحول بينه وبين التجرد لعبادة الله، والانطلاق إليه جملة، والفرار
إليه كلية، استجابة لقوله في السورة : (ففروا إلى الله).. وتحقيقاً لإرادته
في عباده : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
ولما كان الانشغال بالرزق وما يخبئه القدر عنه هو أكثف تلك العوائق
وأشدها فقد عني في هذه السورة بإطلاق الحس من إساره، وتطمين النفس من جهته،
وتعليق القلب بالسماء في شأنه، لا بالأرض وأسبابها القريبه. وتكررت
الإشارة إلى هذا الأمر في السورة في مواضع متفرقة منها إما مباشرة كقوله :
(وفي السماء رزقكم وما توعدون).. (إن الله هو الرزاق ذو القوة
المتين)..وإما تعريضاً كقوله بصور حال عباده المتقين مع المال : (وفي
أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)..ووصفه لجود إبراهيم وسخائه وهو يقرى
ضيوفه القلائل – أو من حسبهم ضيوفه من الملائكة بعجل سمين، يسارع به عقب
وفودهم إليه، وبمجرد إلقاء السلام عليه، وهو لم يعرفهم إلا منذ لحظة.
فتخليص القلب من أوهاق الأرض، وإطلاقه من إسار الرزق ، وتعليقه بالسماء،
ترف أشواقه حولها، ويتطلع إلى خالقها في علاه، بلا عائق يحول بينه وبين
الانطلاق، ويعوقه عن الفرار إلى الله. هو محور السورة بكل موضوعاتها
وقضاياها التي تطرقها. ومن ثم كان هذا الافتتاح، وكان ذلك الإيقاع الغامض
في أولها، وكان القسم بعده بالسماء، وكان تكرار الإشارة إلى السماء أيضاً..
وفي هذا كانت صورة المتقين التي يرسمها في مطلع السورة : (إن المتقين في
جنات وعيون. آخدين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا من قبل ذلك محسنين. كانوا
قليلاً من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون. وفي أموالهم حق للسائل
والمحروم).. فهي صورة التطلع إلى الله، والتجرد له، والقيام في عبادته
بالليل، والتوجه إليه في الأسحار. مع إرخاص المال، والتخلص من ضغطه، وجعل
نصيب للسائل والمحروم حقاً فيه.
وفي هذا كان التوجيه إلى آيات الله في الأرض وفي الأنفس مع تعليق القلوب
بالسماء بشأن الرزق، لا بالأرض وما فيها من أسبابه القريبة : (وفي الأرض
آيات للموقنين. وفي أنفسكم أفلا تبصرون. وفي السماء رزقكم وما توعدون)
وفي هذا كانت الإشارة إلى بناء الله للسماء على سعة، وتمهيده للأرض في
يسر، وخلقه ما فيها من أزواج والتعقيب على هذا كله بالفرار إلى الله :
(والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون. والأرض فرشناها فنعم الماهدون ومن كل
شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون. ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين)..
وفي هذا الإيقاع الأخير البارز في السورة، عن إرادة الله سبحانه في خلق
الجن والأنس، ووظيفتهما الرئيسية الأولى : (وما خلقت الجن والأنس إلا
ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو
القوة المتين)..
فهو إيقاع واحد مطرد. ذو نغمات متعددة. ولكنها كلها تؤلف ذلك الإيقاع ، وتطلق ذلك الحداء. الحداء بالقلب البشري إلى السماء !
وقد وردت إشارات سريعة إلى حلقة من قصة إبراهيم ولوط، وقصة موسى، وقصة
عاد، وقصة ثمود وقصة نوح. وفي الإشارة إلى قصة إبراهيم تلك اللمحة عن
المال، كما أن فيها لمحة عن الغيب المكنون في تبشيره بغلام عليم، ورزقه
وامراته به على غير ما توقع ولاانتظار. وفي بقية القصص إشارة إلى تصديق وعد
الله الذي أقسم عليه في أول السورة : (إن ما توعدون لصادق) والذي أشار في
ختامها إنذاراً للمشركين : (فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم فلا
يستعجلون).. بعد ما ذكر أن أجيال المكذبين كأنما تواصت به ؟ بل هم قوم
طاغون !)
فالقصص في السورة – على هذا النحو مرتبط بموضوعاتها الأصيل. وهو تجريد
القلب لعبادة الله، وتخليصه من جميع العوائق، ووصله بالسماء. بالإيمان
أولاً واليقين. ثم يرفع الحواجز والشواغل دون الرفرفة والانطلاق إلى ذلك
الأفق الكريم.
معنى كلمة : " أوهاق " وقد ذكرت في السورة كثيرا " أوهاق الأرض " وهى من
المعجم الوسيط : وَهَقَ الشيءَ عنه ـِ (يَهِقُه) وَهْقاً: حبسه. فهو
مَوْهوقٌ. وـ فلاناً: جعل الوَهَقَ في عنقه وأَعلقَه به. وـ البعيرُ
البعيرَ: مدَّ كلُّ واحدٍ منهما عنقه في السير وبارى الآخر. (أَوْهَقَ)
الدّابّة: طرح في عنقها الوهق. (وَاهَقَهُ): باراه في عمله. ويقال: واهقت
الناقة الناقة. (تَوَاهَقَ) الرَّجُلان: تباريا. وـ الرِّكاب: مدَّت
أعناقها في السَّير وتبارت فيه. (الوَهَْقُ): الحبل في أحد طرفيه أُنشوطة
يُطْرح في عنق الدّابّة والإنسان حتى يؤخذ. (ج) أوهاق.