أخبر القرآن الكريم أن الله - سبحانه وتعالى - أرسل لكل أمة رسولا يدعوهم إلى التوحيد، فينذرهم ويبشرهم؛ ليقيم عليهم الحجة يوم القيامة، وأن كل هذه الأمم والشعوب قد عرفت وتيقنت -عن طريق أنبيائهم ورسلهم- بمجيء خاتم الأنبياء والرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ما أخبر به القرآن الكريم في قوله تعالى: {وإنه لفي زبر الأولين} [الشعراء: 196]، أي: "إن ذكر محمد - عليه السلام - في كتب الأولين" [1].
ورغم أنه لم يعد من كتب الأولين إلا بقايا قليلة جدا، لكنها لم تخل من ذكر لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته؛ وهذا الذكر نجده منثورا في كتب الديانة الهندوسية، إلا أن القوم لا يعرفون أنها تتطابق مع أوصاف النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أو ما زالوا ينتظرون هذه الشخصية ويعتقدون أنها لم تظهر بعد.
الديانة الهندوسية
وبداية يجدر التنبيه إلى أن الديانة الهندوسية في غاية التشعب والتعقيد، ولا يوجد لها مرجع أو مراجع محددة تضم مبادئها، فهي مجموعة هائلة من المبادئ والمتناقضات والأوهام والخرافات والمعتقدات الغريبة، ويزيد الأمر صعوبة عدم اتفاقهم على مصادر محددة لديانتهم، غير أن أشهر كتبهم التي تقرأ في الطقوس والاحتفالات والأعياد، ويعتقدون أنها منزلة من الله أربعة كتب اسمها الويدات الويد: يعني العلم والمعرفة، وهذه هي المصادر القديمة -التي لها شروحات وتفاسير- إلى جانب كتب أخرى ألفت في عهود متأخرة وفي عهود حديثة.
ونحن نعتمد في هذا الجزء بشكل رئيس على الفصل الذي كتبه الشيخ العلامة صفي الرحمن المباركفوري الهندي المسلم صاحب كتاب السيرة المشهور الرحيق المختوم، حيث تتبع هذه الإشارات من الكتب الهندوسية فأثبتها في كتابه باللغة السنسكريتية، ثم تتبع هذه الإشارات بالترجمة والتقريب، فإذ بها تتشابه كثيرا بما لا يسمح بالشك مع أوصاف النبي محمد - صلى الله عليه وسلم، ولقد ذكر الشيخ صفي الرحمن هذا في مبحث من كتاب وإنك لعلى خلق عظيم، الذي أعده مجموعة من العلماء والدعاة، وأشرف عليه الشيخ صفي الرحمن.
البشارة بنراشنس:
قامت مجموعة من الباحثين الهندوس بتحليل العديد من الترتيلات الهندوسية المختلفة، والتي جاءت في كتب الويدات -التي هي أهم كتب الديانة الهندوسية- وغيرها من كتب هذه الديانة، فوجدوا أن النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر صراحة، كما ذكرت بعض محاور رسالته ودعوته؛ لذلك كتب عدد من علماء الهندوس وغيرهم بحوثا حول هذه الشخصية الفذة التي وجدوها في كتبهم، وهي شخصية نراشنس، فدرسوها في ضوء ما ذكر لها من الخصائص والأوصاف.
وكلمة نراشنس كلمة سنسكريتية [2] مكونة من مقطعين؛ أولهما: نر ومعناه الإنسان، وهذا غريب بالنسبة للويدات التي قلما تختار من البشر أحدا لمدحه والثناء عليه. والمقطع الثاني: أشنس، ومعناه اللغوي: من يحمد ويثنى عليه بكثرة، فهو مرادف لمحمد مرادفة تامة، ومع ذلك فلم تكتف الويدات بذكر اسم هذا النبي العظيم فقط، بل "وفرت لنا تفاصيل أخرى تقطع سبل النقاش والجدال، وتبت البشارة بتة لا مجال فيها لأدنى احتمال، وأكبر مجموعة لهذه التفاصيل هي ما ورد في أتهرو ويد في بابه العشرين، والفصل السابع والعشرين بعد المائة، بينما يوجد بعض البيانات في مناتر [3] أخرى جاءت متفرقة في بقية الويدات والكتب المقدسة عند الهندوس" [4].
وهذه ترجمت تلك المناتر التراتيل الواردة في كتاب أتهرو ويد:
1- "اسمعوا أيها الناس باحترام، إن نراشنس يحمد ويثنى عليه، ونحن نعصم ذلك المهاجر -أو حامل لواء الأمن- بين ستين ألف عدو وتسعين عدوا":
ويلاحظ في هذه الترتيلة عدة أشياء:
أولها: أن هذه الشخصية تتمتع بحمد الناس وثنائهم عليها، وتمتاز على الآخرين بذلك، ولا يعرف في تاريخ البشر إنسان حمده الناس وأثنوا عليه بمعشار ما أثنوا على محمد - صلى الله عليه وسلم - وحمدوه، فهو الذي امتاز بهذه الخصيصة بين الأنبياء.
وثانيها: صيغة المستقبل في قوله: "يحمد ويثنى عليه". فهي تعني أن هذه الشخصية لم تولد بعد، وهذا الجزء من كتاب "الويد" -ويسمى "أتهرو ويد"- هو آخر الأجزاء تأليفا، وإذا عرفنا أن أقدم أجزاء الويد وأولها في زمن التأليف قد ذكر فيه شخصيات في عهد الإسكندر المقدوني أو بعده بقليل، والإسكندر توفي قبل ميلاد المسيح - عليه السلام - بثلاثة قرون، إذا عرفنا هذا أمكننا أن نقول بأن آخر الأجزاء تأليفا كانت فيما بعد زمان المسيح - عليه السلام - ، وبهذا فهذه الصفات لا تنطبق إلا على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، خاصة بما يؤكدها من صفات أخرى، كما يأتي.
وثالثها: أن هذه الترتيلة ذكرت كلمة كورم ولها معنيان مختلفان: إما أن يكون "المهاجر"، أو "من يبسط الأمن والسلام". ومن المعلوم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد هاجر من مكة إلى المدينة، وموضوع الهجرة من أبرز الأحداث في سيرته - صلى الله عليه وسلم.
كما يصح كذلك عليه أن يكون "باسط الأمن والسلام"؛ فلقد كانت الجزيرة العربية قبله حروبا قبلية مشتعلة بين العرب أنفسهم، وبين العرب والفرس، وبين اليهود والنصارى في اليمن، فما لبثت هذه الجزيرة المشتعلة أن صارت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أمنا وأمانا، وجمعت العرب أخوة الإسلام.
ويتوقع الشيخ صفي الرحمن المباركفوري أن كورم قد تكون تحريفا لكلمة قرم العربية، التي تعني السيد المعظم [5]، وهي بهذا المعنى -أيضا- فإن أولى وأحق من يصدق عليه هذا المعنى هو محمد - صلى الله عليه وسلم [ 6].
ورابعها: وهو الغريب في هذه الترتيلة أنها أحصت أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم؛ فهم ستين ألفا وتسعين عدوا، وقد تتبع الشيخ صفي الرحمن المباركفوري عدد من عادى النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته، فوجدهم بهذا العدد فعلا، والله أعلم [7].
وخامسها: التصريح بأن الله يعصمه من هذا العدد من الأعداء، ومثل هذه الصفة لا تنطبق على أحد إلا على محمد - صلى الله عليه وسلم، ولكن.. هناك المزيد أيضا.
2- "يكون مركبه الإبل، وأزواجه اثنتي عشرة امرأة، ويحصل له من علو المنزلة، وسرعة المركب أنه يمس السماء ثم ينزل":
وهذه الترتيلة واضحة جدا في دلالتها على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - والبشارة به؛ إذ ما من وصف ذكر فيها إلا وقد تحقق في رسول الله - صلى الله عليه وسلم:
- فمحمد - صلى الله عليه وسلم - كان ركوبه الإبل كما هو معروف من سيرته.
- ثم إن الوصف يقرر أن هذا النبي لا يكون عزبا بل يتزوج، والمدهش حقا هو إحصاء عدد هؤلاء الزوجات اثنتي عشرة امرأة، ولم يثبت ذلك لأحد غيره من الأنبياء والمرسلين؛ فقد تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اثنتي عشرة امرأة على رأي من قالوا بأن السيدة ريحانة بنت زيد –رضي الله عنها- كانت زوجة من زوجاته - صلى الله عليه وسلم [8].
وقد تحدث ويد بركاش أبادهياي -وهو أحد كبار علماء اللغة السنسكرتية في شبة القارة الهندية- عن ترجمة الفقرة الثانية من هذه البشارة في كتابة: "نراشنس أور أنتم رشي" ص14، وهي أن أزواجه تكون اثنتي عشرة امرأة، وهو لم يشر إلى احتمال أي معنى آخر سواه [9].
- وهناك إشارة -أيضا- إلى رحلة الإسراء والمعراج: "يمس السماء ثم ينزل".
- بل ووصف لسرعة البراق [10]، الذي ركبه النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من سرعته أنه يضع قدمه عند منتهى طرفه [11].
3- ذكر في الترتيل هذا الاسم "مامح":
وهناك احتمالان لترجمة هذا اللفظ: إما أن يكون تحريفا للاسم العربي محمد، أو أن يكون اللفظ خالصا في اللغة السنسكريتية، وهنا يكون اللفظ مكونا من مقطعين م وتعني العظيم، ومح وتعني من يحمد ويثنى عليه كثيرا، وبهذا تكون اللفظة تعني محمد العظيم [12].
4- "بلغ يا أحمد، بلغ، كما تغرد الطيور على شجرة يانعة الثمار":
والشاهد هنا هو ذلك الاسم الصريح أحمد، ولفظ أحمد هو الترجمة الصريحة للفظ الهندي الموجود في الترتيل ريبه، وكذلك الأمر المباشر بالبلاغ والدعوة [13].
وبإجمال [14] الإشارات الواردة في كتب الديانة الهندوسية القديمة عن شخصية نراشنس نجدها كالآتي:
1- تسميته بـ نراشنس ومعناه: محمد.
2- خطابه بـ ريبه ومعناه: أحمد.
3- مخاطبته أيضا بـ كاروم ومعناه: أحمد.
4- وهو يكون حلو اللسان وعذب المنطق يتكلم فصل، لا لبس فيه ولا غموض. 5- ويكون أجمل الناس وجهًا.
6- ويكون هاديا كبيرا، ورسولا مقدسا، أفضل البشر، سيد العالم، يبعث إلى الناس كافة، وتعرفه جميع الأمم.
7- وهو يطهر الناس ويزكيهم من الذنوب.
8- ويطلعه الله على أمور من الغيب فيخبر بها الناس.
9- وهو يحمد ويثنى عليه بكثرة.
10- ويكون مهاجرا.
11- ويحمل لواء الأمن، ويبسط السلام.
12- ويعصمه الله بين ستين ألف عدو وتسعين عدوا.
13- وتكون مركبه الإبل، وقد مضى زمان ركوب الإبل.
14- وتكون له اثنتا عشرة زوجة، وهذا هو عدد أزواج محمد -صلى الله عليه وسلم.
15- ومركبه يكون من السرعة بحيث يصل إلى السماء ثم ينزل، وقد وقع هذا في الإسراء والمعراج.
16- ويعطيه الله مائة دينار من الذهب الخالص، وهو عدد مهاجري الحبشة.
17- ويعطيه عشر قلائد، وهم العشرة المبشرون بالجنة.
18- ويعطيه أيضا ثلاثمائة جواد، وهم أصحاب بدر.
19- وكذلك يعطيه عشرة آلاف بقرة، وهو عدد الصحابة الذين شهدوا فتح مكة.
20- وهو يقوم بالغزو وقتال الملحدين الظالمين الفاجرين.
21- وأصحابه حمادون ومصلون، يلتزمون بالحمد والصلاة حتى أثناء الحروب.
22- ويقاتلون بشجاعة بالغة.
23- وذراريهم وأولادهم يكونون في غاية الأمن والاطمئنان في بيوتهم أثناء الحروب.
24- وهو يعطي كلاما حكيما يكون هدى للمتقين، ويقع منهم موضع القبول مثل وقوع السهم من الهدف، ويكون التمسك به سببا للحصول على الملك وجباية الأموال، وتشبه تلاوته تغريد الطيور على شجرة يانعة الثمار.
25- تظهر له حكمة بالغة عند بناء بيت الله، تفضي إلى بسط الأمن وفرحة الناس، وفيه إشارة إلى حكمه - صلى الله عليه وسلم - في قصة الحجر الأسود.
26- يبسط أمنا يسر الجميع عندما يأخذ الحكم، ويعمر بيت الله بتطهيره من الأصنام، وبدء عبادة الله فيه، وفيه إشارة إلى ما وقع عند فتح مكة.
27- يحصل الأمن والرخاء في العيش أيام حكمه وحكم أصحابه.
28- ويتقدم الإنسان أيام حكمه في سبيل الخير والتقوى.
29- يشبه أمره بزرع يبدأ من بذر، ثم ينمو حتى يصير شجرة باسقة تعلو في السماء.
30- وهو يكون ثمال [15] اليتامى، عصمة للأرامل، يتصدق بالآلاف، ويتنعم أيام حكمه الإنسان والحيوان.
ويتضح من هذه التراتيل -وغيرها من بقية التراتيل المتعلقة بنراشنس- مدى تطابقهما مع أوصاف محمد -صلى الله عليه وسلم؛ لذلك فهو دليل صريح من كتب الهندوس على التبشير بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم، ولا يتوانى بعض علماء الهندوس في ذكر ذلك صراحة.
البشارة بكلكي أوتار:
من معتقدات الهندوس، أن العالم له أربع دورات زمنية: زمان الحق، الذي لم تكن فيه أحزان. زمان بداية الشر، حين بدأت الأخلاق الذميمة تغزو قلوب الناس. ثم زمان اشتداد الشر، حين كثر الشر على حياة الناس وأخلاقهم. ثم زمان الظلام كل يك الذي غطى فيه الشر العالم الإنساني، حتى تركه ظلاما لا نور فيه.
ويبدأ زمان الظلام عندهم منذ طوفان نوح -عليه السلام، وتصرح كتب الهندوس أن الله أرسل رسلا في كل هذه الدورات، وبعض كتبهم تقول بأن عدد كبار الرسل هم أربعة وعشرون رسولا، بعث منهم ثلاثة وعشرون، ولم يبق إلا هذا الأخير، الذي تكثر البشارة به، ويعرف بلقب "كلكي أوتار"، ومعناها من يغسل السواد ويزيله.
1- ورد في كتاب بهوشيه بوران يرتي: "... أن الرسول الذي يولد في كل يك اسمه سرو أنما":
ومعنى أنم: الذي يحمد ويثنى عليه، ومعنى سرو: أكثر من غيره، أو أكثر من الجميع، فيكون معنى سو أنم: الذي يحمد أكثر من الجميع، وهو مطابق لاسمه - صلى الله عليه وسلم - محمد.
2- ورد في كلكي بوران، أدهياي 2، شلوك 11: "إن كلكي يولد من سومتي لرجل اسمه ويشنو ويش":
ومعنى سومتي: آمنة، ومعنى ويشنو: الله، ومعنى ويش: عبد، فيكون معنى ويشنو ويش: عبد الله. وقد تكرر ذكر اسم والده مرتين في كتابين آخرين.
وبإجمال [16] فإننا نجد البشارة بكلكي أوتار في الكتب الهندوسية القديمة تضع له هذه الأوصاف:
1- اسمه: الذي يحمد أكثر من الجميع محمد.
2- اسم أبويه: آمنة وعبد الله.
3- يولد في البلد الأمين أو الآمن لـ عبد الله في بيت سيد البلد ورئيسها الديني وهو ما ينطبق على عبد المطلب.
4- يولد في اليوم الثاني عشر من شهر بيساك، وتتبع الشيخ صفي الرحمن هذا اليوم ووجده نفس يوم ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
5- يأتي في زمن يركب فيه الفرس والبعير.
6- يموت والده قبل ولادته، وتموت أمه بعد وفاته بزمن قريب.
7- يذهب لكي يتلقى العلم في غار في جبل من برشورام، وهو اسم ملك عند الهندوس، ومعناه أيضا: روح القدس.
8- يبدأ الدعوة في البلد الآمن الواقعة في جزيرة عرب، فيؤذيه أهل البلد حتى يهاجر إلى بلد في الشمال تحيط بها الجبال، ويعود بعد مدة إلى مدينته ومعه السيف فيفتحها ويفتح البلاد كلها.
9- يعطى كلكي أوتار فرسا طيارا أسرع من البرق، فيركبه ويسير به في الأرض والسموات السبع.
10- يقاتل أعداء الدين بالسيف، ويكبتهم ويكبت عشرات الملايين من الأشرار والخبثاء، المتسترين بزي الملوك والحكام.
11- ينصر بالملائكة في الحروب.
12- يكبت الشياطين بأربعة مساعدين أو مؤيدين، الخلفاء الراشدون.
13- عدد كبار الرسل أربعة وعشرون، وإن كلكي أوتار هو آخرهم وخاتمهم.
14- يكون جميلا باهر الجمال.
15- يفوح من جسد كلكي أوتار أطيب ريح، يعطر الهواء، وينشئ الفرحة في النفوس.
16- يطلع على أمور الغيب ويخبر بها.
17- يكون شريف النسب.
18- يكون قوي الجسد.
19- يكون قليل الكلام.
20- يكون جوادا يكثر من التصدق بالمال.
21- يكون حكيما وبعيد النظر.
البشارة بالاسم العربي محمد أو أحمد:
1- ذكرت الترتيلة الدينية الموجودة في كتاب أتهرو ويد -وقد سبقت الإشارة له- في 20/21/6، 7، 9: الباب 20 فصل 21 تراتيل 6،7،9 ما معناه:
"يا رب الصادقين، لقد سرك السارون ببطولاتهم وأناشيدهم الغرامية في حرب العدو، حين هزمت لعبدك أحمد عشرة آلاف عدو بغير قتال.
تخرج من حرب إلى حرب أخرى بشجاعة، وتفتح قلعة بعد قلعة بقوة.
إنك يا إندر قتلت مع حبيبك الراكع العدو المبعد المخادع -أو الناقض للعهد- المعروف باسم نموشي".
وتكاد هذه التراتيل الثلاثة تصف غزوة الأحزاب: رب الصادقين الذي سره المقاتلون الشجعان، الذين كانوا ينشدون في الحرب، والذي هزم عشرة آلاف بغير قتال!
إن كل هذه الأوصاف منطبقة على تلك الغزوة: الرسول القائد أحمد، والأبطال الذين ينشدون الأناشيد، وعدد الأعداء وهو عشرة آلاف كما تتفق عليه كتب السيرة.
كما أن انتهاء الحرب التي هزم فيها الأعداء بغير قتال، تبعتها حرب أخرى فتحت فيها "قلعة بعد قلعة بقوة"، وهذا ينطبق على غزوة بني قريظة، وما يزيد تأكيدا هو أن العدو فيها كان مخادعا ناقضا للعهد، وهذا عين ما فعله يهود بني قريظة، كما أن "نموشي" تعني: الممسك البخيل، أو المستحق للعقاب.
واللفظة التي اختير لخطاب الله في الترتيلة هو إندر، وهو صفة من صفات الله تدل على القوة والقهر والغضب والنقمة، وأنه الذي تكون معه العواصف والرياح، والصواعق والرعد، وهذا عين ما هزم به الأحزاب، إلا أن الهندوس يطلقون هذا الاسم على إله القوة والغضب، والعواصف والرياح، والصواعق والرعد.
- وفي كتاب بوران: فصل بهوشيه بوران: ترتيلة 5: "وإذا بمعلم روحاني من غير الآريين معروف باسم محمد قد أتى مع أصحابه".
- وفي نفس الكتاب والفصل ترتيلة 12: "إن الذي حصل مني على لقب برهما واشتهر بمحمد مشتغل بإصلاح أولئك الأعداء الكفار، وهدايتهم وفلاحهم".
- وفي كتاب رام شرت مانس - الذي هو تأريخ لرام أحد رجال الهندوس المقدسين، ورام هذا كما عند الهندوس عاش قبل الميلاد بزمان- نجد هذه التراتيل:
"إنه يولد في القرن السابع البكرمي، ويطلع -أو يشرق- في ظلام دامس مع أنوار شموسه الأربع.
ويبين دينه لكل أحد بالحكمة والسياسة، فيبشر وينذر حسب ما تقتضيه الظروف.
ويكون له أربعة خلفاء قدوسيين، وبتأييدهم ونصرتهم يكثر جدا عدد المؤمنين.
ومنذ يظهر دينه وكلامه فلا نجاة لأحد بدون محمد.
إن الإنسان والحيوان والحشرات كلهم يتقربون إلى الله باسم ذلك الرسول سيد العالم.
ثم لا يولد له مثيل ولا نظير.
وفي بعض النسخ الأخرى من الكتاب نجد ثلاثة أبيات زائدة هي:
وإلى عشرة آلاف سنة تكتمل مرتبة الرسالة، فلا يحظى بها أحد بعدها.
يتألق نجم في بلاد العرب، ويكون لهذه الأرض شأن مغتبط.
تظهر منه الخوارق والمعجزات، ويقال له: إنه ولي الله.
- وفي كتاب سام ويد 2/6/8: "إن أحمد نال من ربه شريعة مملوءة بالحكمة".
- وفي كتاب يجر ويد 31/18: "إن أحمد عظيم، منبع لجميع العلوم، يكشف الظلمات كالشمس البازغة".
- وفي شري مد يهاكوت، مهاتم بوران 2/76: "إذا جاء موعد فيضان الحق على الإنسان بطلوع الخير الاجتماعي في عهود الحياة التي لا نهاية لها، فإن الظلمات تكشف بمحمد، ويشرق نور الفهم والحكمة".
- وفي كتاب السامافيد: "أحمد تلقى الشريعة من ربه، وهي مملوءة بالحكمة، وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس" [ 17].
- وفي كتاب مقدس ثان عند الهندوس وهو أدهروهيدم ما نصه: "أيها الناس، اسمعوا وعوا؛ يبعث المحمد بين أظهر الناس، وعظمته تحمد حتى في الجنة، ويجعلها خاضعة له وهو المحامد" [18]. يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم.
- وفي كتاب هندوسي ثالث هو بفوشيا برانم ما يلي: "في ذلك الحين يبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم [19]، والملك يطهره بالخمس المطهرة" [20]. ولا شك في أنها الصلوات الخمس التي يمحو الله بهن الخطايا.
- وقد جاء وصف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتاب بنوشيا برانم، فقد ورد فيه: "هم الذين يختتنون، ولا يربون القزع [21] ، ويربون اللحى، وينادون الناس للدعاء بصوت عال [22]، ويأكلون أكثر الحيوانات إلا الخنزير، ولا يستعملون الدرباء [23] للتطهير، بل الشهداء هم المتطهرون، ويسمون بمسلي [24]؛ بسبب أنهم يقاتلون من يلبس الحق بالباطل، ودينهم هذا يخرج مني وأنا الخالق" [25].
ولا يستغرب أحد أن كتب الهندوس قد جاءت بأوصاف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يعقل أن تتنزل الرسالات في منطقة الشرق الأوسط، وتنسى بقية المعمورة بساكنيها من الوحي والرسالات -وحاشا لله - سبحانه وتعالى - ذلك- لأنه يتعارض مع رحمته وعدله، وقد أخبرنا القرآن الكريم أن كل أمة من الناس لم تخل من نذير أو بشير، قال - سبحانه وتعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر: 24]. ومن ثم يمكن التعويل على هذه الترتيلات الهندوسية -استنادا لما ذكره علماؤها- في التصديق والبشارة بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم [26].
ولا يفوتنا أن ننبه إلى أن هذه الكتب قد لعبت فيها الأيادي بالزيادة والنقص والتبديل والتحريف، ولكن ما بقي فيها من حق واضح ومفصل أحيانا - كما يتضح مما عرضناه - يثبت أن البشارة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وجدت في كتب الهندوس القديمة، على نحو هو أكثر جلاء ووضوحا ودقة من هذا أيضا، وتلك شهادة جلية على نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم
ورغم أنه لم يعد من كتب الأولين إلا بقايا قليلة جدا، لكنها لم تخل من ذكر لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته؛ وهذا الذكر نجده منثورا في كتب الديانة الهندوسية، إلا أن القوم لا يعرفون أنها تتطابق مع أوصاف النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أو ما زالوا ينتظرون هذه الشخصية ويعتقدون أنها لم تظهر بعد.
الديانة الهندوسية
وبداية يجدر التنبيه إلى أن الديانة الهندوسية في غاية التشعب والتعقيد، ولا يوجد لها مرجع أو مراجع محددة تضم مبادئها، فهي مجموعة هائلة من المبادئ والمتناقضات والأوهام والخرافات والمعتقدات الغريبة، ويزيد الأمر صعوبة عدم اتفاقهم على مصادر محددة لديانتهم، غير أن أشهر كتبهم التي تقرأ في الطقوس والاحتفالات والأعياد، ويعتقدون أنها منزلة من الله أربعة كتب اسمها الويدات الويد: يعني العلم والمعرفة، وهذه هي المصادر القديمة -التي لها شروحات وتفاسير- إلى جانب كتب أخرى ألفت في عهود متأخرة وفي عهود حديثة.
ونحن نعتمد في هذا الجزء بشكل رئيس على الفصل الذي كتبه الشيخ العلامة صفي الرحمن المباركفوري الهندي المسلم صاحب كتاب السيرة المشهور الرحيق المختوم، حيث تتبع هذه الإشارات من الكتب الهندوسية فأثبتها في كتابه باللغة السنسكريتية، ثم تتبع هذه الإشارات بالترجمة والتقريب، فإذ بها تتشابه كثيرا بما لا يسمح بالشك مع أوصاف النبي محمد - صلى الله عليه وسلم، ولقد ذكر الشيخ صفي الرحمن هذا في مبحث من كتاب وإنك لعلى خلق عظيم، الذي أعده مجموعة من العلماء والدعاة، وأشرف عليه الشيخ صفي الرحمن.
البشارة بنراشنس:
قامت مجموعة من الباحثين الهندوس بتحليل العديد من الترتيلات الهندوسية المختلفة، والتي جاءت في كتب الويدات -التي هي أهم كتب الديانة الهندوسية- وغيرها من كتب هذه الديانة، فوجدوا أن النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر صراحة، كما ذكرت بعض محاور رسالته ودعوته؛ لذلك كتب عدد من علماء الهندوس وغيرهم بحوثا حول هذه الشخصية الفذة التي وجدوها في كتبهم، وهي شخصية نراشنس، فدرسوها في ضوء ما ذكر لها من الخصائص والأوصاف.
وكلمة نراشنس كلمة سنسكريتية [2] مكونة من مقطعين؛ أولهما: نر ومعناه الإنسان، وهذا غريب بالنسبة للويدات التي قلما تختار من البشر أحدا لمدحه والثناء عليه. والمقطع الثاني: أشنس، ومعناه اللغوي: من يحمد ويثنى عليه بكثرة، فهو مرادف لمحمد مرادفة تامة، ومع ذلك فلم تكتف الويدات بذكر اسم هذا النبي العظيم فقط، بل "وفرت لنا تفاصيل أخرى تقطع سبل النقاش والجدال، وتبت البشارة بتة لا مجال فيها لأدنى احتمال، وأكبر مجموعة لهذه التفاصيل هي ما ورد في أتهرو ويد في بابه العشرين، والفصل السابع والعشرين بعد المائة، بينما يوجد بعض البيانات في مناتر [3] أخرى جاءت متفرقة في بقية الويدات والكتب المقدسة عند الهندوس" [4].
وهذه ترجمت تلك المناتر التراتيل الواردة في كتاب أتهرو ويد:
1- "اسمعوا أيها الناس باحترام، إن نراشنس يحمد ويثنى عليه، ونحن نعصم ذلك المهاجر -أو حامل لواء الأمن- بين ستين ألف عدو وتسعين عدوا":
ويلاحظ في هذه الترتيلة عدة أشياء:
أولها: أن هذه الشخصية تتمتع بحمد الناس وثنائهم عليها، وتمتاز على الآخرين بذلك، ولا يعرف في تاريخ البشر إنسان حمده الناس وأثنوا عليه بمعشار ما أثنوا على محمد - صلى الله عليه وسلم - وحمدوه، فهو الذي امتاز بهذه الخصيصة بين الأنبياء.
وثانيها: صيغة المستقبل في قوله: "يحمد ويثنى عليه". فهي تعني أن هذه الشخصية لم تولد بعد، وهذا الجزء من كتاب "الويد" -ويسمى "أتهرو ويد"- هو آخر الأجزاء تأليفا، وإذا عرفنا أن أقدم أجزاء الويد وأولها في زمن التأليف قد ذكر فيه شخصيات في عهد الإسكندر المقدوني أو بعده بقليل، والإسكندر توفي قبل ميلاد المسيح - عليه السلام - بثلاثة قرون، إذا عرفنا هذا أمكننا أن نقول بأن آخر الأجزاء تأليفا كانت فيما بعد زمان المسيح - عليه السلام - ، وبهذا فهذه الصفات لا تنطبق إلا على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، خاصة بما يؤكدها من صفات أخرى، كما يأتي.
وثالثها: أن هذه الترتيلة ذكرت كلمة كورم ولها معنيان مختلفان: إما أن يكون "المهاجر"، أو "من يبسط الأمن والسلام". ومن المعلوم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد هاجر من مكة إلى المدينة، وموضوع الهجرة من أبرز الأحداث في سيرته - صلى الله عليه وسلم.
كما يصح كذلك عليه أن يكون "باسط الأمن والسلام"؛ فلقد كانت الجزيرة العربية قبله حروبا قبلية مشتعلة بين العرب أنفسهم، وبين العرب والفرس، وبين اليهود والنصارى في اليمن، فما لبثت هذه الجزيرة المشتعلة أن صارت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أمنا وأمانا، وجمعت العرب أخوة الإسلام.
ويتوقع الشيخ صفي الرحمن المباركفوري أن كورم قد تكون تحريفا لكلمة قرم العربية، التي تعني السيد المعظم [5]، وهي بهذا المعنى -أيضا- فإن أولى وأحق من يصدق عليه هذا المعنى هو محمد - صلى الله عليه وسلم [ 6].
ورابعها: وهو الغريب في هذه الترتيلة أنها أحصت أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم؛ فهم ستين ألفا وتسعين عدوا، وقد تتبع الشيخ صفي الرحمن المباركفوري عدد من عادى النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته، فوجدهم بهذا العدد فعلا، والله أعلم [7].
وخامسها: التصريح بأن الله يعصمه من هذا العدد من الأعداء، ومثل هذه الصفة لا تنطبق على أحد إلا على محمد - صلى الله عليه وسلم، ولكن.. هناك المزيد أيضا.
2- "يكون مركبه الإبل، وأزواجه اثنتي عشرة امرأة، ويحصل له من علو المنزلة، وسرعة المركب أنه يمس السماء ثم ينزل":
وهذه الترتيلة واضحة جدا في دلالتها على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - والبشارة به؛ إذ ما من وصف ذكر فيها إلا وقد تحقق في رسول الله - صلى الله عليه وسلم:
- فمحمد - صلى الله عليه وسلم - كان ركوبه الإبل كما هو معروف من سيرته.
- ثم إن الوصف يقرر أن هذا النبي لا يكون عزبا بل يتزوج، والمدهش حقا هو إحصاء عدد هؤلاء الزوجات اثنتي عشرة امرأة، ولم يثبت ذلك لأحد غيره من الأنبياء والمرسلين؛ فقد تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اثنتي عشرة امرأة على رأي من قالوا بأن السيدة ريحانة بنت زيد –رضي الله عنها- كانت زوجة من زوجاته - صلى الله عليه وسلم [8].
وقد تحدث ويد بركاش أبادهياي -وهو أحد كبار علماء اللغة السنسكرتية في شبة القارة الهندية- عن ترجمة الفقرة الثانية من هذه البشارة في كتابة: "نراشنس أور أنتم رشي" ص14، وهي أن أزواجه تكون اثنتي عشرة امرأة، وهو لم يشر إلى احتمال أي معنى آخر سواه [9].
- وهناك إشارة -أيضا- إلى رحلة الإسراء والمعراج: "يمس السماء ثم ينزل".
- بل ووصف لسرعة البراق [10]، الذي ركبه النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من سرعته أنه يضع قدمه عند منتهى طرفه [11].
3- ذكر في الترتيل هذا الاسم "مامح":
وهناك احتمالان لترجمة هذا اللفظ: إما أن يكون تحريفا للاسم العربي محمد، أو أن يكون اللفظ خالصا في اللغة السنسكريتية، وهنا يكون اللفظ مكونا من مقطعين م وتعني العظيم، ومح وتعني من يحمد ويثنى عليه كثيرا، وبهذا تكون اللفظة تعني محمد العظيم [12].
4- "بلغ يا أحمد، بلغ، كما تغرد الطيور على شجرة يانعة الثمار":
والشاهد هنا هو ذلك الاسم الصريح أحمد، ولفظ أحمد هو الترجمة الصريحة للفظ الهندي الموجود في الترتيل ريبه، وكذلك الأمر المباشر بالبلاغ والدعوة [13].
وبإجمال [14] الإشارات الواردة في كتب الديانة الهندوسية القديمة عن شخصية نراشنس نجدها كالآتي:
1- تسميته بـ نراشنس ومعناه: محمد.
2- خطابه بـ ريبه ومعناه: أحمد.
3- مخاطبته أيضا بـ كاروم ومعناه: أحمد.
4- وهو يكون حلو اللسان وعذب المنطق يتكلم فصل، لا لبس فيه ولا غموض. 5- ويكون أجمل الناس وجهًا.
6- ويكون هاديا كبيرا، ورسولا مقدسا، أفضل البشر، سيد العالم، يبعث إلى الناس كافة، وتعرفه جميع الأمم.
7- وهو يطهر الناس ويزكيهم من الذنوب.
8- ويطلعه الله على أمور من الغيب فيخبر بها الناس.
9- وهو يحمد ويثنى عليه بكثرة.
10- ويكون مهاجرا.
11- ويحمل لواء الأمن، ويبسط السلام.
12- ويعصمه الله بين ستين ألف عدو وتسعين عدوا.
13- وتكون مركبه الإبل، وقد مضى زمان ركوب الإبل.
14- وتكون له اثنتا عشرة زوجة، وهذا هو عدد أزواج محمد -صلى الله عليه وسلم.
15- ومركبه يكون من السرعة بحيث يصل إلى السماء ثم ينزل، وقد وقع هذا في الإسراء والمعراج.
16- ويعطيه الله مائة دينار من الذهب الخالص، وهو عدد مهاجري الحبشة.
17- ويعطيه عشر قلائد، وهم العشرة المبشرون بالجنة.
18- ويعطيه أيضا ثلاثمائة جواد، وهم أصحاب بدر.
19- وكذلك يعطيه عشرة آلاف بقرة، وهو عدد الصحابة الذين شهدوا فتح مكة.
20- وهو يقوم بالغزو وقتال الملحدين الظالمين الفاجرين.
21- وأصحابه حمادون ومصلون، يلتزمون بالحمد والصلاة حتى أثناء الحروب.
22- ويقاتلون بشجاعة بالغة.
23- وذراريهم وأولادهم يكونون في غاية الأمن والاطمئنان في بيوتهم أثناء الحروب.
24- وهو يعطي كلاما حكيما يكون هدى للمتقين، ويقع منهم موضع القبول مثل وقوع السهم من الهدف، ويكون التمسك به سببا للحصول على الملك وجباية الأموال، وتشبه تلاوته تغريد الطيور على شجرة يانعة الثمار.
25- تظهر له حكمة بالغة عند بناء بيت الله، تفضي إلى بسط الأمن وفرحة الناس، وفيه إشارة إلى حكمه - صلى الله عليه وسلم - في قصة الحجر الأسود.
26- يبسط أمنا يسر الجميع عندما يأخذ الحكم، ويعمر بيت الله بتطهيره من الأصنام، وبدء عبادة الله فيه، وفيه إشارة إلى ما وقع عند فتح مكة.
27- يحصل الأمن والرخاء في العيش أيام حكمه وحكم أصحابه.
28- ويتقدم الإنسان أيام حكمه في سبيل الخير والتقوى.
29- يشبه أمره بزرع يبدأ من بذر، ثم ينمو حتى يصير شجرة باسقة تعلو في السماء.
30- وهو يكون ثمال [15] اليتامى، عصمة للأرامل، يتصدق بالآلاف، ويتنعم أيام حكمه الإنسان والحيوان.
ويتضح من هذه التراتيل -وغيرها من بقية التراتيل المتعلقة بنراشنس- مدى تطابقهما مع أوصاف محمد -صلى الله عليه وسلم؛ لذلك فهو دليل صريح من كتب الهندوس على التبشير بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم، ولا يتوانى بعض علماء الهندوس في ذكر ذلك صراحة.
البشارة بكلكي أوتار:
من معتقدات الهندوس، أن العالم له أربع دورات زمنية: زمان الحق، الذي لم تكن فيه أحزان. زمان بداية الشر، حين بدأت الأخلاق الذميمة تغزو قلوب الناس. ثم زمان اشتداد الشر، حين كثر الشر على حياة الناس وأخلاقهم. ثم زمان الظلام كل يك الذي غطى فيه الشر العالم الإنساني، حتى تركه ظلاما لا نور فيه.
ويبدأ زمان الظلام عندهم منذ طوفان نوح -عليه السلام، وتصرح كتب الهندوس أن الله أرسل رسلا في كل هذه الدورات، وبعض كتبهم تقول بأن عدد كبار الرسل هم أربعة وعشرون رسولا، بعث منهم ثلاثة وعشرون، ولم يبق إلا هذا الأخير، الذي تكثر البشارة به، ويعرف بلقب "كلكي أوتار"، ومعناها من يغسل السواد ويزيله.
1- ورد في كتاب بهوشيه بوران يرتي: "... أن الرسول الذي يولد في كل يك اسمه سرو أنما":
ومعنى أنم: الذي يحمد ويثنى عليه، ومعنى سرو: أكثر من غيره، أو أكثر من الجميع، فيكون معنى سو أنم: الذي يحمد أكثر من الجميع، وهو مطابق لاسمه - صلى الله عليه وسلم - محمد.
2- ورد في كلكي بوران، أدهياي 2، شلوك 11: "إن كلكي يولد من سومتي لرجل اسمه ويشنو ويش":
ومعنى سومتي: آمنة، ومعنى ويشنو: الله، ومعنى ويش: عبد، فيكون معنى ويشنو ويش: عبد الله. وقد تكرر ذكر اسم والده مرتين في كتابين آخرين.
وبإجمال [16] فإننا نجد البشارة بكلكي أوتار في الكتب الهندوسية القديمة تضع له هذه الأوصاف:
1- اسمه: الذي يحمد أكثر من الجميع محمد.
2- اسم أبويه: آمنة وعبد الله.
3- يولد في البلد الأمين أو الآمن لـ عبد الله في بيت سيد البلد ورئيسها الديني وهو ما ينطبق على عبد المطلب.
4- يولد في اليوم الثاني عشر من شهر بيساك، وتتبع الشيخ صفي الرحمن هذا اليوم ووجده نفس يوم ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
5- يأتي في زمن يركب فيه الفرس والبعير.
6- يموت والده قبل ولادته، وتموت أمه بعد وفاته بزمن قريب.
7- يذهب لكي يتلقى العلم في غار في جبل من برشورام، وهو اسم ملك عند الهندوس، ومعناه أيضا: روح القدس.
8- يبدأ الدعوة في البلد الآمن الواقعة في جزيرة عرب، فيؤذيه أهل البلد حتى يهاجر إلى بلد في الشمال تحيط بها الجبال، ويعود بعد مدة إلى مدينته ومعه السيف فيفتحها ويفتح البلاد كلها.
9- يعطى كلكي أوتار فرسا طيارا أسرع من البرق، فيركبه ويسير به في الأرض والسموات السبع.
10- يقاتل أعداء الدين بالسيف، ويكبتهم ويكبت عشرات الملايين من الأشرار والخبثاء، المتسترين بزي الملوك والحكام.
11- ينصر بالملائكة في الحروب.
12- يكبت الشياطين بأربعة مساعدين أو مؤيدين، الخلفاء الراشدون.
13- عدد كبار الرسل أربعة وعشرون، وإن كلكي أوتار هو آخرهم وخاتمهم.
14- يكون جميلا باهر الجمال.
15- يفوح من جسد كلكي أوتار أطيب ريح، يعطر الهواء، وينشئ الفرحة في النفوس.
16- يطلع على أمور الغيب ويخبر بها.
17- يكون شريف النسب.
18- يكون قوي الجسد.
19- يكون قليل الكلام.
20- يكون جوادا يكثر من التصدق بالمال.
21- يكون حكيما وبعيد النظر.
البشارة بالاسم العربي محمد أو أحمد:
1- ذكرت الترتيلة الدينية الموجودة في كتاب أتهرو ويد -وقد سبقت الإشارة له- في 20/21/6، 7، 9: الباب 20 فصل 21 تراتيل 6،7،9 ما معناه:
"يا رب الصادقين، لقد سرك السارون ببطولاتهم وأناشيدهم الغرامية في حرب العدو، حين هزمت لعبدك أحمد عشرة آلاف عدو بغير قتال.
تخرج من حرب إلى حرب أخرى بشجاعة، وتفتح قلعة بعد قلعة بقوة.
إنك يا إندر قتلت مع حبيبك الراكع العدو المبعد المخادع -أو الناقض للعهد- المعروف باسم نموشي".
وتكاد هذه التراتيل الثلاثة تصف غزوة الأحزاب: رب الصادقين الذي سره المقاتلون الشجعان، الذين كانوا ينشدون في الحرب، والذي هزم عشرة آلاف بغير قتال!
إن كل هذه الأوصاف منطبقة على تلك الغزوة: الرسول القائد أحمد، والأبطال الذين ينشدون الأناشيد، وعدد الأعداء وهو عشرة آلاف كما تتفق عليه كتب السيرة.
كما أن انتهاء الحرب التي هزم فيها الأعداء بغير قتال، تبعتها حرب أخرى فتحت فيها "قلعة بعد قلعة بقوة"، وهذا ينطبق على غزوة بني قريظة، وما يزيد تأكيدا هو أن العدو فيها كان مخادعا ناقضا للعهد، وهذا عين ما فعله يهود بني قريظة، كما أن "نموشي" تعني: الممسك البخيل، أو المستحق للعقاب.
واللفظة التي اختير لخطاب الله في الترتيلة هو إندر، وهو صفة من صفات الله تدل على القوة والقهر والغضب والنقمة، وأنه الذي تكون معه العواصف والرياح، والصواعق والرعد، وهذا عين ما هزم به الأحزاب، إلا أن الهندوس يطلقون هذا الاسم على إله القوة والغضب، والعواصف والرياح، والصواعق والرعد.
- وفي كتاب بوران: فصل بهوشيه بوران: ترتيلة 5: "وإذا بمعلم روحاني من غير الآريين معروف باسم محمد قد أتى مع أصحابه".
- وفي نفس الكتاب والفصل ترتيلة 12: "إن الذي حصل مني على لقب برهما واشتهر بمحمد مشتغل بإصلاح أولئك الأعداء الكفار، وهدايتهم وفلاحهم".
- وفي كتاب رام شرت مانس - الذي هو تأريخ لرام أحد رجال الهندوس المقدسين، ورام هذا كما عند الهندوس عاش قبل الميلاد بزمان- نجد هذه التراتيل:
"إنه يولد في القرن السابع البكرمي، ويطلع -أو يشرق- في ظلام دامس مع أنوار شموسه الأربع.
ويبين دينه لكل أحد بالحكمة والسياسة، فيبشر وينذر حسب ما تقتضيه الظروف.
ويكون له أربعة خلفاء قدوسيين، وبتأييدهم ونصرتهم يكثر جدا عدد المؤمنين.
ومنذ يظهر دينه وكلامه فلا نجاة لأحد بدون محمد.
إن الإنسان والحيوان والحشرات كلهم يتقربون إلى الله باسم ذلك الرسول سيد العالم.
ثم لا يولد له مثيل ولا نظير.
وفي بعض النسخ الأخرى من الكتاب نجد ثلاثة أبيات زائدة هي:
وإلى عشرة آلاف سنة تكتمل مرتبة الرسالة، فلا يحظى بها أحد بعدها.
يتألق نجم في بلاد العرب، ويكون لهذه الأرض شأن مغتبط.
تظهر منه الخوارق والمعجزات، ويقال له: إنه ولي الله.
- وفي كتاب سام ويد 2/6/8: "إن أحمد نال من ربه شريعة مملوءة بالحكمة".
- وفي كتاب يجر ويد 31/18: "إن أحمد عظيم، منبع لجميع العلوم، يكشف الظلمات كالشمس البازغة".
- وفي شري مد يهاكوت، مهاتم بوران 2/76: "إذا جاء موعد فيضان الحق على الإنسان بطلوع الخير الاجتماعي في عهود الحياة التي لا نهاية لها، فإن الظلمات تكشف بمحمد، ويشرق نور الفهم والحكمة".
- وفي كتاب السامافيد: "أحمد تلقى الشريعة من ربه، وهي مملوءة بالحكمة، وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس" [ 17].
- وفي كتاب مقدس ثان عند الهندوس وهو أدهروهيدم ما نصه: "أيها الناس، اسمعوا وعوا؛ يبعث المحمد بين أظهر الناس، وعظمته تحمد حتى في الجنة، ويجعلها خاضعة له وهو المحامد" [18]. يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم.
- وفي كتاب هندوسي ثالث هو بفوشيا برانم ما يلي: "في ذلك الحين يبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم [19]، والملك يطهره بالخمس المطهرة" [20]. ولا شك في أنها الصلوات الخمس التي يمحو الله بهن الخطايا.
- وقد جاء وصف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتاب بنوشيا برانم، فقد ورد فيه: "هم الذين يختتنون، ولا يربون القزع [21] ، ويربون اللحى، وينادون الناس للدعاء بصوت عال [22]، ويأكلون أكثر الحيوانات إلا الخنزير، ولا يستعملون الدرباء [23] للتطهير، بل الشهداء هم المتطهرون، ويسمون بمسلي [24]؛ بسبب أنهم يقاتلون من يلبس الحق بالباطل، ودينهم هذا يخرج مني وأنا الخالق" [25].
ولا يستغرب أحد أن كتب الهندوس قد جاءت بأوصاف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يعقل أن تتنزل الرسالات في منطقة الشرق الأوسط، وتنسى بقية المعمورة بساكنيها من الوحي والرسالات -وحاشا لله - سبحانه وتعالى - ذلك- لأنه يتعارض مع رحمته وعدله، وقد أخبرنا القرآن الكريم أن كل أمة من الناس لم تخل من نذير أو بشير، قال - سبحانه وتعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر: 24]. ومن ثم يمكن التعويل على هذه الترتيلات الهندوسية -استنادا لما ذكره علماؤها- في التصديق والبشارة بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم [26].
ولا يفوتنا أن ننبه إلى أن هذه الكتب قد لعبت فيها الأيادي بالزيادة والنقص والتبديل والتحريف، ولكن ما بقي فيها من حق واضح ومفصل أحيانا - كما يتضح مما عرضناه - يثبت أن البشارة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وجدت في كتب الهندوس القديمة، على نحو هو أكثر جلاء ووضوحا ودقة من هذا أيضا، وتلك شهادة جلية على نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم