ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻓﻮﻕ ﺳﻄﺢ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ , ﻋﺎﺷﺖ ﺍﻷﺭﻣﻠﺔ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ ﻣﻊ
ﻃﻔﻠﻬﺎ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺔ ﻓﻲ ﻇﺮﻭﻑ ﺻﻌﺒﺔ . . . ﺇﻻ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺮﺓ
ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﺮﺿﺎ ﻭ ﺗﻤﻠﻚ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛﻨﺰ ﻻ ﻳﻔﻨﻰ . .
ﻟﻜﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺰﻋﺞ ﺍﻷﻡ ﻫﻮ ﺳﻘﻮﻁ ﺍﻷﻣﻄﺎﺭ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ , ﻓﺎﻟﻐﺮﻓﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺟﺪﺭﺍﻥ , ﻭ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﺏ ﺧﺸﺒﻲ , ﻏﻴﺮ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺳﻘﻒ ! .
ﻭ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻣﻨﺬ ﻭﻻﺩﺗﻪ ﻟﻢ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺇﻻ ﻟﺰﺧﺎﺕ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻭ ﺿﻌﻴﻔﺔ , ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﺗﺠﻤﻌﺖ ﺍﻟﻐﻴﻮﻡ ﻭ ﺍﻣﺘﻸﺕ ﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﺴﺤﺐ ﺍﻟﺪﺍﻛﻨﺔ . . . . . ﻭ ﻣﻊ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻫﻄﻞ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺑﻐﺰﺍﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﻠﻬﺎ , ﻓﺎﺣﺘﻤﻰ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﻢ , ﺃﻣﺎ
ﺍﻷﺭﻣﻠﺔ ﻭ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻓﻜﺎﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻣﻮﻗﻒ ﻋﺼﻴﺐ !
ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻪ ﻧﻈﺮﺓ ﺣﺎﺋﺮﺓ ﻭ ﺍﻧﺪﺱّ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻧﻬﺎ , ﻟﻜﻦ ﺟﺴﺪ ﺍﻷﻡ ﻣﻊ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﻏﺎﺭﻗًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻠﻞ . . . ﺃﺳﺮﻋﺖ ﺍﻷﻡ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﻓﺨﻠﻌﺘﻪ ﻭ ﻭﺿﻌﺘﻪ ﻣﺎﺋﻼً ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺠﺪﺭﺍﻥ , ﻭ ﺧﺒﺄﺕ ﻃﻔﻠﻬﺎ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻟﺘﺤﺠﺐ ﻋﻨﻪ ﺳﻴﻞ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺍﻟﻤﻨﻬﻤﺮ
ﻓﻨﻈﺮ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻪ ﻓﻲ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺑﺮﻳﺌﺔ ﻭ ﻗﺪ ﻋﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻪ ﺍﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺍﻟﺮﺿﺎ , ﻭ ﻗﺎﻝ ﻷﻣﻪ :
" ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺎ ﺗﺮﻯ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺑﺎﺏ ﺣﻴﻦ
ﻳﺴﻘﻂ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﻤﻄﺮ ؟ !
ﻟﻘﺪ ﺃﺣﺲ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺃﻧﻪ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﻃﺒﻘﺔ ﺍﻷﺛﺮﻳﺎﺀ . . ﻓﻔﻲ ﺑﻴﺘﻬﻢ ﺑﺎﺏ !
ﻃﻔﻠﻬﺎ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﺘﻮﺍﺿﻌﺔ ﻓﻲ ﻇﺮﻭﻑ ﺻﻌﺒﺔ . . . ﺇﻻ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺮﺓ
ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﺮﺿﺎ ﻭ ﺗﻤﻠﻚ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻛﻨﺰ ﻻ ﻳﻔﻨﻰ . .
ﻟﻜﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺰﻋﺞ ﺍﻷﻡ ﻫﻮ ﺳﻘﻮﻁ ﺍﻷﻣﻄﺎﺭ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ , ﻓﺎﻟﻐﺮﻓﺔ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺟﺪﺭﺍﻥ , ﻭ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﺏ ﺧﺸﺒﻲ , ﻏﻴﺮ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺳﻘﻒ ! .
ﻭ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻣﻨﺬ ﻭﻻﺩﺗﻪ ﻟﻢ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺇﻻ ﻟﺰﺧﺎﺕ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻭ ﺿﻌﻴﻔﺔ , ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﺗﺠﻤﻌﺖ ﺍﻟﻐﻴﻮﻡ ﻭ ﺍﻣﺘﻸﺕ ﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﺴﺤﺐ ﺍﻟﺪﺍﻛﻨﺔ . . . . . ﻭ ﻣﻊ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻫﻄﻞ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺑﻐﺰﺍﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﻠﻬﺎ , ﻓﺎﺣﺘﻤﻰ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﻢ , ﺃﻣﺎ
ﺍﻷﺭﻣﻠﺔ ﻭ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻓﻜﺎﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻣﻮﻗﻒ ﻋﺼﻴﺐ !
ﻧﻈﺮ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻪ ﻧﻈﺮﺓ ﺣﺎﺋﺮﺓ ﻭ ﺍﻧﺪﺱّ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻧﻬﺎ , ﻟﻜﻦ ﺟﺴﺪ ﺍﻷﻡ ﻣﻊ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﻏﺎﺭﻗًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻠﻞ . . . ﺃﺳﺮﻋﺖ ﺍﻷﻡ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻐﺮﻓﺔ ﻓﺨﻠﻌﺘﻪ ﻭ ﻭﺿﻌﺘﻪ ﻣﺎﺋﻼً ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺠﺪﺭﺍﻥ , ﻭ ﺧﺒﺄﺕ ﻃﻔﻠﻬﺎ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻟﺘﺤﺠﺐ ﻋﻨﻪ ﺳﻴﻞ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺍﻟﻤﻨﻬﻤﺮ
ﻓﻨﻈﺮ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻪ ﻓﻲ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺑﺮﻳﺌﺔ ﻭ ﻗﺪ ﻋﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻪ ﺍﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﺍﻟﺮﺿﺎ , ﻭ ﻗﺎﻝ ﻷﻣﻪ :
" ﻣﺎﺫﺍ ﻳﺎ ﺗﺮﻯ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺑﺎﺏ ﺣﻴﻦ
ﻳﺴﻘﻂ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﻤﻄﺮ ؟ !
ﻟﻘﺪ ﺃﺣﺲ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺃﻧﻪ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﻃﺒﻘﺔ ﺍﻷﺛﺮﻳﺎﺀ . . ﻓﻔﻲ ﺑﻴﺘﻬﻢ ﺑﺎﺏ !