إذا أعطيت فإنك تعطي القليل مما تملك ، ولكن لا قيمة لما تعطيه ما لم يكن جزءاً من ذاتك ، لأنك بذلك تعطي من ثروتك ليس الا ، أليست الثروة مادة فانية تخزنها وتحافظ عليها خوفاً من ان تحتاج لها في الغد ؟؟ والغد ماذا يستطيع أن يقدم للكلب البالغ الفطنة والذكاء الفطري الذي يطمر العظام في الرمال تحسبا لحاجته لها غداً ، اوليس الخوف من الحاجة هو الحاجة بعينها ، أو ليس الظمأ الشديد للماء عندما تكون بئر الظاميء لها مليئة هو العطش الذي لا تروى غلته ؟؟؟
البعض يعطي القليل من الكثير الذي لديهم لأجل الشهرة ، وهذه الرغبة الخفية للشهرة المقيتة تضيع فائدة عطاياهم ، ومنهم من يملكون القليل ويعطونه بأسره وهم مؤمنون بالحياة وسخائها ن وهؤلاء لا تفرغ خزائنهم أبدأ ، ومنهم من يعطون بفرح ليصبح فرحهم هذا مكافأة لهم ، ومنهم من يعطي بألم ليصبح ألهمهم هذا تعميداً لهم ، وهناك من يعطون ولا يعرفون معنى لأي ألم في عطائهم ، ولا يطلبون مشاعر الفرح ولا يرغبون بنشر فضائلهم ، وهؤلاء يعطون مما لديهم كما يعطي الريحان عبير عطره لكل من مر بالوادي الذي يستقر به ، وبمثل أيدي هؤلاء يتكلم الخالق الأعظم ومن خلال عيونهم يبتسم على كل الأرض
جميل ان تعطي من يسألك ما هو في حاجة إليه ، ولكن الأجمل هو أن تعطي من لا يسألك وأنت تعرف حاجته ، فمن يفتح يديه وقلبه للعطاء ... يكون فرحه بسعيه هذا لمن يتقبل عطاياه واالإهتداء اليه أعظم من العطاء نفسه
علينا أن نتساءل مع أنفسنا : هل في ثرواتنا ما نستطيع ابقاءه لأنفسنا ؟؟ فكل ما نملكه اليوم سيتفرق لا محاله يوماً ما ، لذلك علينا ان نعطي منه الآن ليكون فصل العطاء من فصول حياتنا دون ورثتنا
علينا ان نستبعد مصطلحات ومفاهيم أننا نحب العطاء ولكن للمستحقين فقط !!! فالأشجار في البساتين والقطعان في المراعي لا تقول اي من هذا ، فهي تعطي لكي تحيا لأنها إذا لم تعطي ستعرض حياتها للتهلكه ، وعلينا أن ندرك أن الشخص الذي استحق أن يتقبل عطية الحياة ليتمتع بأيامه ولياليه ، لهو مستحق لكل شيء منا ، والذي يستحق أن يشرب روح الحياة يستحق أن يملأ كأسه من جداولنا الصغيرة ، لأن أي صحراء لن تكون أعظم من صحراء ذات جرأة وجسارة وشجاعة على قبول العطايا من الآخرين ... لما فيها من أفضال ومنن على النفوس المتحرره ، فمن نحن حتى نطلب من الناس أن يمزقوا صدورهم ويزيلوا أقنعة شهامتهم وعزة نفوسهم لكي نرى جدارتهم في كسب عطايانا ؟؟؟
علينا أن ننظر أولاً فيما إذا كنا جديرين بأن نكون معطائين لأن الحياة هي التي تعطي للحياة في حين أننا عندما نكون فخورين بأن عطاءً قد صدر منا ، فإننا نكون حقيقة مجرد شاهد بسيط على ما نعطيه ...!!!
ولمن تصلهم العطايا ويتقبلونها كحسنات وهبات ـ عليكم ان لا تتظاهروا بثقل حمل الواجب ومعرفة الجميل ، لئلا تضعوا بأيديكم نيراً ثقيل الحمل على رقابكم ورقاب من أعطوكم ، بل عليكم ان تعملوا على جعل عطايا المعطي أجنحةً ترتفعون بها معه ، لأنكم إذا أكثرتم من الشعور بمديونيتكم فإنكم بذلك تظهرون الشكل والريبة من أريحية المحسن إبن الأرض السخية وأبوه الرب الكريم
الغذاء :
ليتنا نستطيع العيش على عبير الأرض ونكتفي بالنور كنباتات الهواء ، غير أننا مضطرون للقتل من أجل أن نعيش ، وللسرقة للمولود الصغير من حضن امه ، ولاختطاف حليب الكائنات لتبريد ظمئنا ، من أجل ذلك يتوجب أن تكون أعمالنا هذه مظاهراً من طقوس العبادة ن ولتكن موائدنا مذبحاً تقرب عليه الفرابين النقية الطاهرة من الحقول والسهول كأضاحي لما هو أكثر منها نقاوة في أعمان الإنسان فينا
علينا عندما نتوجه لذبح حيواناً أن نقول له في قلينا : إن القوة التي أمرت بذبحك ستذبحني مقابلاً لك ، وعندما تحين ساعتي سأحترق مثلك ، لأن الشريعة التي أسلمتك إلى يداي ستسلمني إلى أيدي من هم أقوى مني ، وليس دمك ودمي سوى عصارة قد أعدت منذ الأزل غذاء لشجرة السماء
علينا كلما نهشنا تفاحة بأسناننا أن نقل لها في قلبنا : هذه بذورك ستعيش في أجسادنا ، والبراعم التي ستخرج منها في الغد ستزهر في قلبنا وسيتصاعد عبيرها في أنفاسنا وسنفرح معها في جميع الفصول