المحبة لا تعرف عمقها الا ساعة الفراق
إذا اشارت لكم المحبة أن تتبعوها ـ فاتبعوها ، وإن كانت مسالكها صعبة ومنحدرة
وإذا ضمتكم بجناحيها فاطيعوها ، وإن جرحكم سيفها المستور بين جناحيها
وإن خاطبتكم المحبة فصدقوها ، وإن عطل صوتها أحلامكم وبددها كمثل ما تفعل الرياح بالبساتين بعد الحصاد ،
فالمحبة تمنحكم التألق في حياتكم وهي نفسها من يثبتكم في أماكنكم ، فكما عتمل على تنميتكم وتطويركم ، فإنها تعلمكم كيفية استئصال الفاسد من كيانكم ، فهي ترتفع بكم إلى أعلى مستويات حياتكم لتعانق كل اللطيف فيكم تحت نور الشمس ، وتنحدر للجذور الملتصقة بالأرض لتهزها مع سكينة الليل
المحبة تضمكم إلى قلبيها كمثل أغمار القمح عند حصاده ، وتدرسكم على بيادرها لكي تظهر عريكم ، وتغربلكم لكي تحرركم من قشوركم ، وتطحنكم لكي تجعلك أنقياء كمثل الثلج ، وتعجنكم بدموعها حتى تلينوا ، ثم تعدكم لنارها المقدسة ، لكي تصيروا خبزاً مقدساً يقرب على مائدة الخالق المقدسة
كل هذا تصنعه المحبة فيكم لكي تدركوا أسرار قلوبكم ، فتصبحوا بهذا الادراك جزءاً من قلب الحياة ، غير أنكم إذا انتابكم الخوف وقصرتم في سعيكم نحو الطمأنية واللذة في المحبة ... فالأجدر بكم أن تستروا عريكم وتخرجوا من بيدر المحبة إلى العالم البعيد حيثما تضحكون ، ولكن ليس كل ضحككم ، وتبكون ، ولكن ليس كل ما في أجفانكم من الدموع ،
المحبة لا تعطي إلا نفسها ولا تأخذ إلا من نفسها ، فهي لا تمتلك شيئاً ولا تريد ان يمتلكها أحد ، لأن المحبة مكتفية بالمحبة ذاتها ... أما أنت إذا أحببت ايها الإنسان فلا تقل إن الله في قلبي ، بل قول أنا في قلب الله ، ولا تفكر أنك تستطيع أن تتسلط على مسالك ومسارات المحبة ، لأن المحبة عندما ترى فيك استحقاقاً لنعمتها هي من تتسلط على مسارات ومسالك حياتك
المحبة لا رغبات لها سوى أنها تسعى لتكمل نفسها ، ولكن إذا أحببت وكان لا بد أن يكون لديك رغبات خاصة فيك ... فالتكن هذه رغبات لك ... كأن تذوب وتشكل جدولاً متدفقاً يشنف آذان الليل بأنغامه ، أو أن تطبر باب الآلام التي هي في العاطفة اللامتناهية ، أو أن يجرحك إدراككالحقيقي للمحبة في حبة قلبك ، وأن تنزف دماءك وأنت راضي ومغتبط ، أو أن تنهض عند الفجر بقلب ذو أجنحة تخفق ، فؤدي واجب الشكر ملتمساً يوم محبة آخر ، أو أن تستريح عند الظهيرة وتناجي نفسك بوجد المحبة ، وتعود إلى منزلم عند المساء شاكراً ، وتنام عندها وتراتيل الصلاة لأجل من أحببت تتردد في قلبك ، وأنشودة الحمد والثناء مرتسمة على شفتيك ... هي هذه المحبة اللا محدودة والغير مشروطة في حياة كل منا ... هي ما يتوجب علينا وعيها والولوج في فائن نفائسها وكنوزها اللامحدوده