يشبه إيقاع هذه السورة المكية ،بفواصلها القصيرة ، وقافيتها المتقاربة ،
وصورها العنيفة وظلالها الموحية ، يشبه أن يكون مطارق على أوتار القلب
البشري المشدود .
ويكاد سياق السورة أن يكون وحدة متماسكة ، ذات محور واحد ،تشد إليه
خيوطها جميعاً سواء في ذلك القصة ، ومشهد يوم القيامة ، ومصارع الغابرين ،
والمشهد الكوني ، والحديث المباشر عن قضية التوحيد والبعث والرسالة ، فكلها
وسائل ومؤثرات لإيقاظ القلب البشري واستجاشته لاستقبال حقيقة الإيمان حية
نابضة كما يبثها القرآن في القلوب .
وتبدأ السورة بالحديث عن القرآن وتنزيله في ليلة مباركة فيها يفرق كل
أمر حكيم ، رحمة من الله بالعباد إنذاراً لهم وتحذيراً ، ثم تعريف للناس
بربهم : رب السماوات والأرض وما بينهما ، وإثبات لواحدانيته وهو المحي
المميت رب الأولين والآخرين .
ثم يضرب عن هذا الحديث ليتناول شأن القوم : ( بل هم في شك يلعبون )
ويعاجلهم بالتهديد المرعب جزاء الشك واللعب : ( فأرتقب يوم تأتي السماء
بدخان مبين يغشي الناس هذا عذاب أليم ) ودعائهم بكشف العذاب عنهم وهو يوم
يأتي لا يكشف . وتذكيرهم بأن هذا العذاب لم يأت بعد ، وهو الآن عنهم مكشوف ،
فلينتهزوا الفرصة قبل أن يعودوا إلى ربهم ، فيكون ذلك العذاب المخوف : (
يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ) ...
ومن هذا الإيقاع العنيف بمشهد العذاب ومشهد البطشة الكبرى والانتقام ،
ينتقل بها إلى مصرع فرعون وملئه يوم جاءهم رسول كريم وناداهم : (أن أدوا
إلي عباد الله إني لكم رسول أمين وألا تعلوا على الله ) فأبوا أن يسمعوا
حتى يئس منهم الرسول ، ثم كان مصرعهم في هوان بعد الاستعلاء والاستكبار : (
كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين . كذلك
وأورثناها قوماً آخرين . فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين )
وفي غمرة هذا المشهد يعود إلى الحديث عن تكذيبهم با لآخرة ، وقولهم : (
إن هي إلا موتتنا الأولى ومانحن بمنشرين ، فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين )
ليذكرهم بمصرع قوم تبع . وما هم بخير منهم ليذهبوا ناجين من مثل مصيرهم
الأليم .
ويربط بين البعث وحكمة الله في خلق السماوات والأرض : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين )
ثم يحدثهم عن يوم الفصل : ( ميقاتهم أجمعين ) وهنا يعرض مشهد عنيف من
للعذاب بشجرة الزقوم وعتل الأثيم ، وأخده إلى سواء الجحيم ، يصب من فوق
رأسه الحميم . مع التبكيت والترذيل : ( ذق إنك أنت العزيز الكريم . إن هذا
ما كنتم به تمترون ) .
وإلى جواره مشهد النعيم عميقاً مشهد العذاب في الشدة . تمشياً مع ظلال السورة العميقة وايقاعها الشديد ...
وتختم السورة بالإشارة إلى القرآن كما بدأت : ( فإنما يسرناه بلسانك
لعلهم يتذكرون ) ..وبالتهديد الملفوف العنيف : ( فارتقب إنهم مرتقبون ) ..