الحمد لله والصلاة والسلام علي محمد سيدنا رسول الله وعلي آله وصبحه ومن تمسك بسنته إلي يوم الدين ..وبعد :
فالزكاة عبادة مالية اجتماعية هامة ، وهي الفريضة الثانية في الإسلام قرنت في القرآن الكريم بالصلاة في عشرات المواضع ، وتعدد ذكرها تارة بلفظ الزكاة ، وتارة بلفظ الصدقة ، وثالثة بلفظ الإنفاق وفي مطلع سورة البقرة يصف الله المتقين الذين ينتفعون بهدي كتابه : ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (البقرة:3) .
وفي موضع آخر من نفس السورة : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)(البقرة: من الآية110) .
ويمتدح سبحانه وتعالي إسماعيل عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام : ( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) (مريم:55) .
وفي سورة الذاريات وصف للمتقين : ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذريات:19) .
إنها فريضة لازمة يكفر من جحدها ، ويفسق من منعها ، ويقاتل من تحدي جماعة المسلمين بتركها ، وحسبنا أن الخليفة الأول أبا بكر جهز جيشاً جراراً لقتال المرتدتين الذين امتنعوا عن دفع الزكاة وقال " والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدنه لرسول الله لقاتلتهم عليه " .
والزكاة فيها معني الطهارة ومعني النماء ، طهارة لنفس الغني من الشح البغيض : ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر: من الآية9) .
وهي في الجانب الآخر طهارة لنفس الفقير من الحسد والضغن علي ذلك الغني ، ومن شأن الإحسان أن يستميل قلب الإنسان وعلي الجملة فهي طهارة للمجتمع كله أغنيائه وفقرائه من عوامل الهدم والتفرقة والصراع ، قال تعالي : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ......)(التوبة: من الآية103) .
وأخيراً هي طهارة للمال ، أخرج الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره " وقوله صلى الله عليه وسلم :" حصنوا أموالكم بالزكاة " ( أبو داود في المراسيل ) .
الزكاة نماء وزيادة :
نماء لشخصية المزكي وكيانه المعنوي ، فالإنسان الذي يسدي الخير ويصنع المعروف ويبذل من نفسه ويده لينهض بإخوانه في الدين والإنسانية وليقوم بحق الله عليه يشعر بامتداد نفسه ، وانشراح صدره قال تعالي : (......... تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)(التوبة: من الآية103) فعطف التزكية علي التطهير قد يفيد هذا المعني .
والزكاة بعد ذلك نماء للمال وبركة فيه [ ما نقص مال من صدقة ] الحديث .
الزكاة مورد أساسي لكفالة العاجزين :
الزكاة مورد أساسي لعاجزين الذين لا يستطيعون العمل ، والأرامل اللاتي مات عنهن أوزاجهن ولا مال لهن ، واليتامى والشيوخ والمرضي والمقعدين ومن أصابتهم الكوارث فأقعدتهم عن الكسب .
إن الإسلام لم ينس هؤلاء لقد فرض الله لهم في أموال الأغنياء حقاً معلوما وفريضة مقررة ثابتة هي الزكاة ، فالهدف الأول من الزكاة هو إغناء الفقراء بها .
إلي من تصرف الزكاة :
بين الله عز وجل مصارف الزكاة بقوله : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:60) .
فأول هذه المصاريف أو الأصناف هم " الفقراء " وثانيهما " المساكين " وهما صنفان لنوع واحد من المستحقين من أهل الفاقة والاحتياج .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف إقرأوا إن شئتم : ( لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً)(البقرة: من الآية273) وفي رواية ليس المسكين الذي يطوف علي الناس ترده اللقمة والقمتان ، والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غني يغنيه ، ولا يفطن إليه فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس .
وهذا الحديث يكشف لنا النقاب عن مسألة هامة فكثيراً ما يحصر الناس صورة المسكين أو الفقير فيمن يتظاهر بالمسكنة ، ولكن المسكين الذي نبه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا الصنف يشمل كثيراً من أصحاب البيوت الذين ضاق دخلهم عن حاجاتهم ، ولقد سأل رجل الحسن البصري عن الرجل تكون له الدار والخادم أفيأخذ الصدقة ؟ قال يأخذ الصدقة إن احتاج ولا حرج .
فهؤلاء أولي بالزكاة من الذين امتهنوا التسول وجعلوه مهنة سهلة فتراهم يطاردون الناس في كل مكان علي أبواب المساجد بل في داخلها وفي الشوارع وفي إشارات المرور ، وربما طرقوا الأبواب علي ساكنيها وألحوا في المسألة إلي غير ذلك من الصور المزرية التي لا تخفي علي أحد .
ولو أن كل مزكي بدأ بأقاربه لكان خيراً ، قال ابن قدامه في كتابه الكافي (2/212) [ وإذا تولي الرجل إخراج زكاته استحب أن يبدأ بأقاربه الذين يجوز الدفع لهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم صدقتك علي ذي قرابتك صدقة وصلة] رواه الترمذي والنسائي ويخص ذوي الحاجة لأنهم أحق .
وحبذا لو أن كل مزكي نظر إلي مجموعة معينة وأغناها بزكاته ووسعهم بفضل ماله .
فالأولي أن يعطي التاجر ما يستأنف به تجارته ، ويعطي الصانع ما يشتري به أدوات صنعته وهكذا ، قال عطاء إذا أعطي الرجل زكاة ماله أهل بيت من المسلمين فجبرهم فهو أحب إلي .
ومن هذا كله نعلم أن الزكاة ليست تفضلاً وإحساناً من إنسان إلي آخر وإنما هي حق معلوم كما قال الله تعالي
في المال حق سوي الزكاة :
في المال حقوق أخري توجبها الحاجات وتوكل في الغالب إلي ضمير المسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر علي معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .... " الحديث .
فهذا الحديث يشير إلي فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من مال أو جاه أو علم أو نصح أو دلالة علي خيرا أو إعانة بنفسه أو وساطته أو شفاعته .
وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم